بشار شلبي
7 نوفمبر 2022م
رافقت المهارات الضرورية للإنسان تاريخيا عمليات التدريب التلقائية؛ فالآباء يدربون صغارهم على المشي مثلا، وعلى الكلام، وهذا لا يعني انه لو لم يتم التدريب فلن يمشي الطفل ولن يتكلم لكن التدريب أصبح وكأنه قانون يجب أن يمارسه الكبار، ربما للحصول على نتيجة سريعة، وربما -أيضا- لإشباع رغبة اجتماعية بالحب والقرب من الصغار والأحباب. لكن لاحقاً فقد رافق التدريب الحاجة للتعامل مع (الأدوات) مثل أدوات الحرب أو أدوات الصيد أو أدوات البناء وكان تدريبا تلقائياً أو فطرياً ارتبط، بالحاجات الأساسية ولم يكن هناك مدربين ولا أكاديمية متخصصة، ثم تطورت حاجات التدريب مع تطور الآلات بالضرورة. ثم انتقل التدريبُ من مجال الأدوات والتقنيات والمهارات الحركية المتصلة بهما إلى المهارات الإنسانية المفتوحة؛ من الخطابة والتأثير في المستمعين - وهو ما تلقفته أحزاب سياسية وشركات علاقات عامة ومهتمون - إلى توجيه الآخرين، والسيطرة عليهم، وصولاً إلى التدريب على مجالات دولية من حقوق إنسان وقانون وعلاقات دولية. وأصبحنا نلمسُ الحاجة للتدريب على كل مجال في الحياة ونلمسُ عروض التدريب باعتبارها شكلاً من أشكال الدعاية والإعلان. أي أنه أصبح أداة من أدوات التأثير كنشاط دبلوماسي وفعل سياسي خاصة أن حقيقة التدريب الناجح أثبتت الفرق بين المؤسسات التي تعتمد التدريب وتلك التي تزهد به وتعتبره خسارة مالية يمكن تجنبها.
لقد أثبتت الوقائع في مختلف مجالات النشاط الأكثر رواجا وانتشارا، من إعلام ووسائل تواصل وتسويق وإدارة وغيره، أن التدريب المنهجي والعلمي يترك أثره الكبير في الأفراد، على اختلاف وظائفهم ومواقعهم في المؤسسة، ويكسبهم معارف محدّثة، ويصقل المهارات وينقلها للمهتمين والأجيال المتعاقبة. كما أنه -وربما هذا جوهري جداً- يكسب الأفراد ثقة بالنفس وقناعة بالقدرة على التحسين والتجويد باستمرار.
لقد أبدعت العقول البشرية التعامل مع التدريب، في جعله حقيقة أكاديمية وعلماً قائما بذاته، وخادماً لغيره، ففّصلَت في مساراته وأنواعه من حيث زمنه بالنسبة للخدمة، قبلها أو أثناءها أو بعدها، ومن حيث مكانه؛ داخل العمل أو خارجه، ومن حيث الهدف منه؛ إنعاشاً أو مهارات أو سلوكاً، أو تحقيق ترقيات أو استلام مسؤوليات.
لعل إحدى أدوات الدبلوماسية الناعمة في أي نشاط دبلوماسي تمارسه دول أو شركات أو أحزاب سياسية هو عروض التدريب المجاني أو التدريب المرافق للخدمة والسلع أو التدريب المرافق للمنح والمساعدات.
وهنا فإن التدريب على الدبلوماسية نفسها يصبح هدفا ووسيلة في إطار النشاط السياسي والدبلوماسي لا غنى عنه للتطور والنجاح.